أَي: هَذَا بَاب مَا جَاءَ فِي الحَدِيث مَا يُوَافق لفظ الْقُرْآن، وَمَعْنَاهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ أَلد الْخِصَام} (الْبَقَرَة: 402) . وَتَمام هَذَا هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيشْهد الله على مَا فِي قلبه وَهُوَ أَلد الْخِصَام} (الْبَقَرَة: 402) . وَقَالَ السّديّ: هَذِه الْآيَة وَثَلَاث آيَات بعْدهَا نزلت فِي الْأَخْنَس بن شريق الثَّقَفِيّ، جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأظْهر الْإِسْلَام وَفِي بَاطِنه خلاف ذَلِك، وَعَن ابْن عَبَّاس: أَنَّهَا نزلت فِي نفر من الْمُنَافِقين تكلمُوا فِي خبيب وَأَصْحَابه الَّذين قتلوا بالرجيع وعابوهم، فَأنْزل الله ذمّ الْمُنَافِقين ومدح خبيباً وَأَصْحَابه. وَقيل: بل ذَلِك عَام فِي الْمُنَافِقين كلهم، وَهَذَا قَول قَتَادَة وَمُجاهد وَالربيع بن أنس وَغير وَاحِد، وَهُوَ الصَّحِيح. وَقَالَ ابْن جرير: حَدثنِي يُونُس أخبرنَا ابْن وهب أَخْبرنِي اللَّيْث بن سعد عَن خَالِد بن يزِيد عَن سعيد بن أبي هِلَال عَن الْقرظِيّ عَن نوف وَهُوَ الْبكالِي وَكَانَ مِمَّن يقْرَأ الْكتب، قَالَ: إِنِّي لَا أجد صفة نَاس من هَذِه الْأمة، فِي كتاب الله الْمنزل قوم يحتالون الدُّنْيَا بِالدّينِ، ألسنتهم أحلى من الْعَسَل، وَقُلُوبهمْ أَمر من الصَّبْر يلبسُونَ لِبَاس مسوك الضَّأْن وَقُلُوبهمْ قُلُوب الذئاب، فعليَّ يجرأون؟ وفيَّ يفترون؟ حَلَفت بنفسي لأبعثنَّ عَلَيْهِم فتْنَة تتْرك الْحَلِيم فِيهَا حيران. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: تدبرتها فِي الْقُرْآن فَإِذا هم المُنَافِقُونَ. قَوْله: (وَيشْهد الله على مَا فِي قلبه) ، أَي: يظْهر للنَّاس الْإِسْلَام ويبارز الله تَعَالَى بِمَا فِي قلبه من الْكفْر والنفاق، هَذَا مَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد عَن عِكْرِمَة أَو سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس. وَقيل: مَعْنَاهُ إِنَّه إِذا أظهر للنَّاس الْإِسْلَام حلف وَأشْهد الله لَهُم أَن الَّذِي فِي قلبه مُوَافق لِلِسَانِهِ، وَهَذَا الْمَعْنى صَحِيح. قَوْله: {وَهُوَ أَلد الْخِصَام} (الْبَقَرَة: 402) . الألد فِي اللُّغَة هُوَ الأعوج: {وتنذر بِهِ قوما لداً} (مَرْيَم: 79) . أَي: عوجا، وَهَكَذَا الْمُنَافِق فِي حَال خصومته يكذب ويزور عَن الْحق وَلَا يَسْتَقِيم مَعَه، بل يفتري وَيفجر. وَيُقَال: الألد هُوَ شَدِيد الْجِدَال، وَالْإِضَافَة فِيهِ بِمَعْنى: فِي، كَقَوْلِهِم: ثَبت الْغدر أَو جعل الْخِصَام أَلد على الْمُبَالغَة، وَفِي (الْجَامِع) : واللدد مصدر الألد، وَرجل أَلد إِذا اشْتَدَّ فِي الْخُصُومَة، وَالْأُنْثَى لداء، واللدد الْجِدَال أَخذ من: لديد الْوَادي أَي: جَانِبه، كَأَنَّهُ إِذا منع من جَانب جَاءَ من جَانب آخر، وَفِي تَفْسِير عبد الرَّحْمَن عَن ابْن عَبَّاس: أَلد الْخِصَام، أَي: ذُو جِدَال إِذا كلمك وراجعك. وَعَن الْحسن: كَاذِب القَوْل، وَعَن مُجَاهِد: ظَالِم لَا يَسْتَقِيم، وَعَن قَتَادَة شَدِيد الْقَسْوَة فِي مَعْصِيّة الله جدل بِالْبَاطِلِ. وَقَالَ ابْن سَيّده: لددت لدداً صرت أَلد، ولددته ألده إِذا خصمته. وَقيل: مَأْخُوذ من اللديدين وهما صفحتا الْعُنُق، وَالْمعْنَى: من أَي جَانب أَخذ فِي الْخُصُومَة قوي، وَالْخِصَام جمع: الْخصم، كصعب وصعاب، قَالَه الزّجاج. وَقيل: هُوَ مصدر خاصمته.
7542 - حدَّثنا أَبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنِ ابنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ أبْغَضَ الرِّجَالِ إلاى الله الألعدُّ الخَصِمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة، وَاسم أبي مليكَة زُهَيْر بن عبد الله الْمَكِّيّ الْأَحول، كَانَ قَاضِيا لعبد الله بن الزبير.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن مُسَدّد، وَفِي التَّفْسِير عَن قبيصَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن أبي بكر بن
نام کتاب : عمدة القاري شرح صحيح البخاري نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 13 صفحه : 4